كان الأمين العام للأوبك، عبدالله البدري، قد تخوف من أثر تعثر الاقتصاديات الأمريكية والأوروبية على أسعار النفط
يبدو أن العالم الغربي على شفير أزمة مالية جديدة حسب الخبراء. وقد تتحوّل هذه الأزمة المالية مجدداً إلى أزمة في قطاع النفط، ما ما يهدد العائدات النفطية لأهم مصدري النفط في المنطقة، وعلى رأسها السعوديةـ إيران والإمارات.
تراجع أسعار النفط عالمياً وسط القلق على الاقتصاد العالمي
بلغت أسعار النفط ذروتها في ربيع العام 2011 بعد أن انتشرت الاضطرابات الأمنية من مصر إلى ليبيا، ودارت مخاوف حول انتشارها ضمن البلدان المصدرة للنفط، ومنها المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في الخليج. ففاق سعر برميل النفط 120 دولاراً أمريكياً في أبريل 2011.
لكن مع ازدياد المخاوف من وقوع أزمة مالية ثانية أكثر حدة من العام 2008، بسبب أزمة الديون السيادية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، توقف الاتجاه الصعودي لأسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، مع تراجع المعدل الأسبوعي لسعر برميل النفط ضمن سلة الأوبك للأسبوع الخامس على التوالي، وانحداره إلى أدنى مستوياته منذ فبراير 2011 عند 98.5 دولاراً.
وكان الأمين العام للأوبك، عبد الله البدري قد أعرب عن مخاوفه من تأثير أزمة الديون السيادية في الاقتصاديات الغربية على أسعار النفط قائلاً: "إننا قلقون للغاية، نظراً إلى ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ وتيرة النمو في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى مشاكل الديون السيادية ضمن الاتحاد الأوروبي".
"إن هذه المشاكل تؤثر فعلاً على الطلب العالمي على النفط، فنحن نرى بعض العلامات السلبية تنذر بتراجع الطلب على النفط. وعلينا أن نبقى متيقظين وأن نراقب الأسواق إلى أن يحين موعد اجتماع الأوبك المقبل".
ويتوقع الخبير روبن ميلز استمرار هبوط أسعار النفط في حديثه الحصري مع AMEinfo، إذ يقول: "لا أعتقد أن أسعار النفط ستنخفض إلى 35 دولاراً كما في عام 2008. لنني أتوقع بالتأكيد أن تهبط الأسعار إذا استمرت أو تفاقمت المصاعب الاقتصادية".
السعودية، إيران والإمارات ستعاني من تراجع عائداتها النفطية
إن انخفاض أسعار النفط والتوقعات المنذرة بتباطؤ الطلب العالمي، تضع على المحك قدرة السعودية، إيران والإمارات على تحقيق ميزانيتها للعام المقبل .
فكانت السعودية قد أقرّت أضخم موازنة في تاريخها، مطمئنة إلى أن العائدات النفطية ستكفي لتمويل مشاريع الإنفاق الحكومي على الإسكان، والتوظيف ورفع الأجور التي بلغت مليارات الدولارات والتي أقرّها الملك عبدالله بعد أن عمّت الاحتجاجات الشعبية المنطقة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة.
أما اليوم، فتتخوف المملكة من تراجع عائداتها النفطية، إذ يقول غياس غوكانت، كبير المحللين لدى مصرف أبوظبي الوطني، في حديثه الحصري مع AMEInfo: "إن صندوق النقد الدولي يتوقع أن سعر برميل النفط الذي يسمح للسعودية بتحقيق التوازن في الميزانية هو 80 دولاراً في 2011. لكن هذا السعر المرتفع في 2011 يعني على الأرجح أن السعودية ستسجّل فائضاً في الإنفاق بنهاية العام الجاري، وهو يعني في الوقت نفسه أن أسواق النفط عرضة لمزيد من الهشاشة وبالتالي إلى احتمال وقوع أزمة نفطية ثانية. وإذا تباطأ الاقتصاد العالمي بصورة جذرية، فهذا يعني أن السعودية ستضطر إلى خفض إنتاجها، ما يعني أنها ستبيع كمية أقلّ من النفط بسعر أقلّ".
كذلك، كانت الإمارات قد أطلقت سلسلة من المبادرات الهادفة إلى تحسين ظروف عيش مواطنيها، لاسيما بتخصيص مليارات الدولارات لإنشاء مئات الفلل لمواطنيها في المناطق الأقل حظوة مثل رأس الخيمة، والمنطقة الشمالية، والفجيرة. ويرى الخبراء أنها ستواجه الصعوبة نفسها في تحقيق ميزانيتها، إذ يقول غياس غوكانت: "يُقدّر أن سعر برميل النفط الذي يسمح للإمارات بتحقيق موزانتها هو أعلى منه في السعودية".
والوضع سيكون حتى أكثر صعوبة بالنسبة إلى إيران التي يُعرف أنها تميل إلى إقرار ميزانياتها المالية على أساس أسعار نفط مرتفعة، مع العلم أن الخبراء قدروا سعر التعادل في ميزانيتها للعام 2012 البالغة 508 مليارات بأكثر من 90 دولاراً أمريكياً.
إيران والسعودية تتفقان على عدم رفع الإنتاجية أمام تباطؤ الطلب على النفط
نتيجة للمخاوف حول تراجع نمو الاقتصاد العالمي، أعادت منظمة الأوبك النظر في في توقعاتها للطلب العالمي على النفط في تقريرها الشهري الصادر في أكتوبر 2011.
إذ أشار التقرير إلى خفض التوقعات لنمو الطلب بقدر 0.18 مليون برميل يومياً، لينحدر إلى معدل 0.9 مليون برميل يومياً في 2011، وذلك "بسبب عدم اتضاح الصورة في 2011 في ما يتعلق بمصير الاقتصاد العالمي، وتأثر الطلب الصيني على النفط بالسياسات الحكومية الجديدة الهادفة إلى الحدّ من استعمال الوقود للمواصلات، وارتفاع أسعار التجزئة في الهند، وهي عوامل ستلعب دوراً في خفض استهلاك النفط في العام القادم.
راً إلى هشاشة آفاق الاقتصاد العالمي، فقد أعيد النظر في توقعات الطلب العالمي على النفط في 2012 إلى 1.2 مليون برميل يومياً".
وفي حين اختلفت وجهات النظر في الماضي بين الصقور وعلى رأسهم إيران والمعتدلين الممثلين بالمملكة العربية السعودية حول رفع الإنتاجية بعد انقطاع إنتاج النفط الليبي في يونيو 2011، يجمع الطرفان اليوم على عدم رفع الإنتاجية بسبب تباطؤ الطلب العالمي على النفط على المدى القريب، ومع عودة النفط الليبي إلى الأسواق.
فقد أعلنت المملكة هذا الشهر على لسان خالد الفالح، الرئيس التنفيذي لشركة إنتاج النفط السعودية العملاقة أرامكو، أن "ليس هناك من سبب يدفع أرامكو إلى رفع طاقتها الإنتاجية إلى 15 مليون برميل"، وهو ما اقترحه وزير النفط السعودي علي النعيمي، حين ارتفعت أسعار النفط إلى 147 دولاراً عام 2008.
"فمن الصعب ترقب ارتفاع في القدرة الإنتاجية في السعودية، في ظلّ الإعلانات الكثيرة عن توسع في عمليات التنقيب عن النفط في البرازيل، والعراق مثلاً. فإن مسألة الطلب تتم الاستجابة لها اليوم من قبل جهات أخرى".
ويعلّق خبير الطاقة روبن ميلز قائلاً: "من الغريب أن نرى توافقاً في المواقف بين إيران والسعودية. لكن أسباب هذه المواقف تختلف. في الحقيقة، لا أعتقد أن إيران قادرة على زيادة إنتاجها للنفط في ظلّ الظروف الراهنة من عقوبات وقلّة الاستثمارات. أما السعودية، فأعتقد أنها تقترف خطأ على المدى البعيد بعدم رفع إنتاجيتها، لكنه يسهل فهم قرارها على المدى القريب، فهي ترغب بالحفاظ على أسعار النفط قريبة من معدل 85 دولاراً الذي يسمح لها بتحقيق ميزانيتها".