أجرى الحوار: جلال الشايب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]على بُعد أميال من ميدان التحرير، وعلى شاطئ نيل مصر؛ كان لقاؤنا مع الأستاذ الدكتور "نصر فريد واصل"، مفتي الديار المصرية الأسبق، ورئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح السابق، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، فتحاورنا مع فضيلته حول ما يتعلق بالمنطقة العربية والإسلامية، وحول مصر الثورة، وكيف تنتقل مصر إلى مرحلة الاستقرار والأمان؛ فكان هذا الحوار الماتع..
**تداولت أخبار استقالتكم من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتنوعت الأسباب التي ذكرتها تلك الوسائل؛ بين التصريحات التي نسبت للأمين العام للهيئة وانتقاده للأزهر، وأخرى هي عدم استطاعتكم للتوفيق بين مجمع البحوث الإسلامية وبين الهيئة، وغير ذلك من الأسباب. فما حقيقة الأمر فضيلة الدكتور؟
-ما نشرته وسائل الإعلام المختلفة منه ما هو صحيح ومنه ما كاذب، وهكذا عودتنا بعض الصحف من إطلاق الادعاءات والأكاذيب ونسبتها إلى رجال وأسماء هم بريئون تمامًا من مثلها، وهو ما كان من صحيفة مصرية (لم يذكر اسمها) عندما نشرت على لسان الأخ الفاضل الدكتور "محمد يسري إبراهيم" الأمين العام للهيئة تصريحات هاجمت الأزهر، وما كان للأمين العام ابن الأزهر أن يقع في مثل هذه الواقعة، كما أنه كذّب الأمر بعدها. واستقالتي من الهيئة ليس لأمر شانها أو عابها، وإنما كل ما في الأمر هو أني لم أعد أستطيع أن أوفق بين العملَيْن وكلاهما مهم، فتركت الهيئة بالجسد، وأنا معها بالقلب والروح، وأتمنى لهم كل الخير والتوفيق.
**نداءات الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح والإخوان وبعض التيارات والجماعاتالإسلامية إلى مليونية سميت ([ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط])، وذلك لمساندة المجلس العسكري، والتأكيد على مطالب الشعب المصري، والحمد لله احتشد الملايين في ميدان التحرير في تلك الجمعة، فما رأيكم في مثل هذه النداءات؟ -اعلمْ أن كل دعوة بغض النظر عن من ينادي بها، إذا كانت الدعوة لجمع الكلمة ووحدة الصف بين الإسلاميين وغيرهم، وبين الإسلاميين بعضهم مع بعض؛ فهذا ولا شك أمر محمود بل هو مطلوب الآن، وكذلك المحافظة على السلم وعلى عدم الخروج على الجماعة والبعد عن الدعوات الفئوية المتعارضة بعضها مع بعض، وأنا أؤيدها تمامًا. ولقد سُئلت قبل تلك المليونية عن حكمها فقلت: إن كانت للتجمع بين المصريين على قلب رجل واحد؛ فهذا حسن ولا شيء فيه، أما إن كانت ضد فكر آخر وتؤدي في نهاية المطاف إلى شقاق ونزاع، فأنا ضدها ولا أدعو إليها، وأربأ بالمصريين المخلصين أن يدعوا لمثلها؛ لما تؤديه من ضرر خاص وعام، وقد تمت المليونية والحمد لله كما قلت، وتبين أن الكل اجتمع على وحدة الصف، كما أنها لم تؤدِّ إلى تعطيل العمل والإنتاج ولا تعطيل المواصلات، وإنما كانت في إطار متجمع.
**كان بارزًا في جمعة الإرادة الشعبية بميدان التحرير، حضور الرجال والنساء والأطفال، وكان على ما يبدو حضور أسر بأكملها، ولم يقتصر الأمر على الرجال والشباب فقط، بل مشهد النساء كان دليلاً على كثرتهن في الميدان. فكيف ترى ذلك؟
-انظر.. الحمد لله انقضت الأمور بتوفيق من الله ولم يحدث شيء مما يُخيف الرجل على أهله، وكانت الأمور سلميَّة، فلا شيء في ذلك؛ والأمر مشروط بسلمية الأمر، ولن يترتب على ذلك تعطيل العمل ولا الإنتاج، وتوفير الأمن والأمان، فإذا توفرت هذه الشروط فلا شيء في أن يأخذ الرجل أهله لمثل هذه التجمعات.
**مع كثرة المليونيات في ميدان التحرير وغيره، تنادي بعض الحركات النسوية بخروج مليونية للمطالبة بحقوقهن (المسلوبة)، والمناداة بالإبقاء على كوتة المرأة في البرلمان، وغيرها من المطالب، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
-لا بد أن يعي جميع المصريين رجالاً ونساء؛ أن عملية المظاهرات الفئوية التي تخص البعض ولا تطالب إلا بمصالح خاصة، ليس في صالح الدولة ولا في صالح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] نفسها، ومن هنا يجب أن تكون الدعوة جماعية وسلمية، تنادي بالإصلاح العام للبلد داخليًّا وخارجيًّا، وتنادي بسرعة مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية التي تهدد فعلاً أمن مصر وأمان شعبها.
وعلينا جميعًا أن نتفق الآن على هدف واحد؛ وهو قيام دولة ومؤسسات الدولة والوصول إلى الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية الإسلامية التي تحقق الأمن والأمان للجميع والتكافل الاجتماعي والتواصل للحكم الرشيد، كلنا يجب أن نقوم تحت الدولة، وعندما يكون الحكم صحيحًا وسليمًا وعلى أسس دستورية سويَّة؛ حينئذ يحقق للجميع المشروع من مطالبه.
**كثر الآن استخدام بعض المصطلحات المصدرة إلينا من الغرب كالديمقراطية مثلاً والدولة المدنية، وغير ذلك. فكيف نتعامل مع الأمر؟ وكيف نوضح للناس حقيقة تلك المصطلحات؟
-هناك مبدأ عام وهو "خاطبوا الناس على قدر عقولهم". وبالنسبة لمن يرددون تلك المصطلحات عليهم أن ينظروا أولاً في مضمونها لا في اسمها، فالعبرة بالمضمون، فهناك فعلاً من يقول ديمقراطية أو شورى أو غيرها، المهم مهما كانت، فلا بد وأن يحكمها المبادئ العامة للشريعة الإسلامية.
**ينادي البعض الآن بتطبيق الشريعة في مصر، فأين فضيلتكم من هذه الدعوة؟
-هذا الأمر هو ضمن أساس الدستور الذي يقوم على الأسس والضوابط العامة المتفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومع الأسس العامة ومبادئ الشريعة العامة؛ فهذا هو الحكم الإسلامي.
**ماذا تعنون بالحكم الإسلامي؟
-الحكم الإسلامي معناه: الحكم بالشورى، وتحقيق العدالة الاجتماعية، أن يكون الحاكم منتخبًا من الشعب، أن يكون الحاكم خادمًا للشعب، أن يختاره الشعب، وأن يعزلوه إذا ثبت تعديه على دستور البلاد، أو غير ذلك، أن يكون هناك فصل بين السلطات، كل هذه من المبادئ الإسلامية، وبالتالي هذا هو الحكم الإسلامي.
**ماذا نقول للتيارات الإسلامية المختلفة الموجودة على الساحة المصرية الآن؟ وكيف نطوع الجميع لخدمة هذا الدين وهذا الوطن؟
-علينا أن نُجمع ولا نفرق، يعني أن يعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه، ونتفق في ثوابتنا الإسلامية، فهي واحدة؛ فنحن يجب أن نعمل ونتقارب حول كل ما يجمع الشمل، ونبتعد كل البعد عن كل ما يفرق من كل مناحي الحياة؛ فالوقت الآن لا يحتمل أي فرقة، فإذا افترقنا كنا لقمة سائغة لذئاب الداخل والخارج المتربصين ببلدنا والذين يريدونبها السوء وعدم الاستقرار.
ثم إننا لو لم نجتمع الآن فمتى؟! ثم إن الكل يعلم حقًّا أن
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لم تنجح إلا بلم الشمل، وجمع الكلمة والصف بين الشباب والشيوخ مسلمين وغيرهم، كبارًا وصغارًا، رجالاً ونساءً، فكان الجميع على قلب رجل واحد. وليعلم الجميع أنه لو تحقق ذلك وتم الاستمرار عليه، وتدعيمه بكل السبل بالقول والفعل والعمل، وعدم الصدام مع الجيش الذي يعد حارس وحامي الثورة والشعب، داخليًّا وخارجيًّا، وعدم تنازع الفئات المختلفة وجلب الشقاق بينهم، فسيتحقق النصر، وستقوم دولة مشعة بحضارتها وسلامها على العالم أجمع.
**هناك اختلاف على الوثيقة الحاكمة للدستور، فهناك من يراها الحل الأمثل للخروج من مأزق الدستور أولاً أم الانتخابات، وهناك من يراها إنها فوق دستورية، فأين فضيلتكم من هذا الخلاف؟
أولاً:كلمة أنها فوق دستورية هذا تعبير غير صحيح؛ لأنه فقط كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هما فقط ما فوق الدستورية؛ فحكم الله فوق كل شيء. وعندما نقول مبادئ دستورية نعني بذلك مبادئ عامة حاكمة تحكم الجميع، وتكون إطارًا لا نخرج عليها؛ بمعنى أكثر أن الدستور هو الذي سيكون من خلالها، وهي التي تحكمه بحيث تكون مصالح الجميع فيها، في هذه الحالة نقول إنها مطلوبة. وطبعًا شريطة أن يجتمع لوضع هذه الوثيقة عموم الشعب المصري، أو ممثلون عنه، والعبرة في النهاية بعد وضع هذه الوثيقة ترجع إلى استفتاء الشعب عليها؛ فهو المنوط به الحكم النهائي في هذا الأمر.أما إذا كانت من فئة معينة، هي التي تختار وهي التي تضعها، فهذا أمر غير مقبول عقلاً ولا واقعًا.
**رأينا في الأيام الماضية خروج مسيرة من ميدان التحرير إلى المجلس العسكري بحدائق القبة، وهو ما تسبب في أحداث عنف ومشاجرات قبل وصول هذه المسيرة. ما رأيكم في هذه المسيرة؟
-بالطبع هذه خطوة غير حكيمة بالمرة، وغير صحيحة، وأعتقد أنها ضد الهدف الأساسي وهو تحقيق مبادئ الثورة، والوصول بهذا البلد إلى بر الأمان؛ لأنني كما قلت: إن النزاع والخروج على ما يمثل الحاكم الآن لا يجوز ومرفوض رفضًا كاملاً؛ لأنه يؤدي إلى الإفساد في الأرض ويعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر، بل قد يصل الأمر -لا قدر الله-إلى ما يحدث الآن في اليمن وسوريا وليبيا، ووقتها نكون خسرنا الدين والدنيا كما يقال.
**نحن على أعتاب انتخابات رئاسية، وقد رشح بعض الإسلاميين أنفسهم لخوض غمار هذه الانتخابات، فما رأيكم في هذا الأمر؟
-الترشح للانتخابات مكفول للجميع.. لأن هؤلاء أولاً مواطنون مصريون، لهم حق الترشح كغيرهم؛ العبرة بتوفير الشروط الموضوعة من خلال الدستور عليهم، فلو انطبقت هذه الشروط عليهم وأصبح ترشحهم رسميًّا ودستوريًّا فلا شيء في ذلك، والعبرة في النهاية في اختيار الشعب، وكل إنسان له حقوق سياسية كاملة، وله أن يأخذها، والفيصل في ذلك هو الشعب.
**كلمة أخيرة لعموم المسلمين الآن؟
-الاعتصام بحبل الله جميعًا، وحدة الصف ووحدة الكلمة، البعد عن الشقاق والنزاع، والعمل والإنتاج، عدم تعطيل وسائل الإنتاج، محاولة الوصول بقدر المستطاع إلى زيادة الإنتاج للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالبلاد الآن، والتكافل الاجتماعي وخاصة الفقراء وغير العاملين، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية والخيرية لتقوم بدورها الحقيقي المنوط بها، والتي من أجله أقيمت وأُنشئت.
**كلمة من الدكتور نصر فريد واصل إلى الحكام في اليمن وسوريا وليبيا؟
-أقول لهم: اتقوا الله في أوطانكم وفي شعوبكم، واحقنوا الدماء وغلبوا المصلحة العامة على الخاصة، وعليكم أن تحققوا الأمن بكل الوسائل حتى لو أدى ذلك إلى أن يترك الإنسان هذا المنصب الدنيوي البحت، الذي لا يضمن الإنسان بعد لحظة واحدة هل سيبقى فيه أم سيكون له لقاء مع الله.